أين يذهب النمو الاقتصادي

أعلن معهد الإحصاء أن الاقتصاد الروماني نما بنسبة 7٪ في العام الماضي. ومما لا شك فيه بأن هذا النمو قياسي ليس فقط بالنسبة لرومانيا ولكن أيضاً على المستوى الأوروبي. ليس هناك سبباً كافياً للتوسع، حتى لو لم تبذل الحكومة جهداً بالاستغناء عن كافة مزايا معدل النمو الاقتصادي المرتفع.

ومن المفارقات أن النمو الاقتصادي لا يبعث بالضرورة على السرور الكبير بين الأخصائيين وممثلي قطاع الأعمال. فلماذا إذن هذا الكثير من الخلافات وعدم  الرضا؟

وتتعلق الإجابة الأكثر مباشرة بنوعية النمو القائم على الاستهلاك. فمن المؤكد أن الاستثمارات، إن لم يكن قد تم التضحية بها، فهي بالتأكيد منخفضة. والأرقام بهذا  الخصوص واضحة بما يكفي. وأظهرت دراسة أجرتها شركة برايس ووترهاوس كوبرز رومانيا، التي عرضت بياناتها الرئيسية على راديو فرانسا الدولي PwC România ، أن الاستثمارات العامة واجهت صعوبات في السنوات الأخيرة. بحيث أنه في عام 2015، تم التخطيط لاستثمارات بمعدل 6.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي، في حين انخفض مستوى الاستثمار في هذا العام والتي تتضمنها الميزانية إلى 4.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

وبعيداً عن الاستثمارات المخطط لها في الميزانية، فإن لحظة الحقيقة تظهر في الأرقام التي تبين ما الذي تحقق بالفعل من تلك الاستثمارات المخطط لها.

وفي هذا المجال فإن البيانات تبدو مقلقة. فقد كانت الاستثمارات التي تم تنفيذها في عام 2015 تعادل 92٪ من المستوى الوارد في الميزانية، في حين أن نسبة الاستثمارات في العام الماضي كانت 69٪ فقط. ومع ذلك فهي أيضاً معقدة في مثل هذه الحالة. بمعنى أنه إذا نظرنا إلى الواقع اليومي يمكننا أن نسأل: أين تذهب الاستثمارات. ففي العام الماضي، لم يتم البدء بأي استثمار عام كبير. وفي العام الماضي لم يتم فتح أي ورشة عمل كبيرة. ومن ثم، فإن وجهة الأموال المخصصة للاستثمار العام هي لغز على نحو متزايد بالنسبة لعامة الناس. ومنذ سنوات عديدة يتم الحديث عن تحديد الأولويات وجعل الاستثمارات أكثر شفافية، ولكن التقدم المحرز ضعيف للغاية. وعلاوة على ذلك، فإن عجز الميزانية مثّل هذا العام 70٪ من الاستثمارات العامة، كما تظهر دراسة برايس ووترهاوس كوبرز. وإن أي انحرافات محتملة مثل الفشل في توقعات النمو الاقتصادي السنوي إلى 5.5٪ من إيرادات الميزانية أو عدم زيادة المصاريف على مستوى التوقعات يؤدي إلى التخلي مرة أخرى عن بعض الاستثمارات العامة.

وفي الواقع، يتوقع المستثمرون والمتخصصون في الاقتصاد هذا العام نقل مركز ثقل الحكومة من زيادات المعاشات التقاعدية والأجور إلى الاستثمار العام. ومن الناحية المثالية، ينبغي نقل الأموال إلى الاستثمارات التي لها تأثير تحفيزي للاقتصاد، مثل البنية التحتية للنقل أو البنية التحتية التكنولوجية. أفضل دليل على صواب هذا النهج الاقتصادي يظهر من خلال الرقم الذي يشير إلى أنه بين عام 2016 والربع الثالث من عام 2017 سجلت رومانيا زيادة في الأجور بنسبة 25٪، وهي أعلى نسبة سجلت في الاتحاد الأوروبي.

وهنا فإن جزءاً كبيراً من النمو الاقتصادي تم توجيه نحو الأجور. يمكن أن يقول شخص ما ليس هناك خطأ في ذلك. ولكن يمكن أن يكون ذلك أمراً سيئاً، لأن رومانيا تخاطر بفقدان سنوات جيدة من النمو الاقتصادي وإيرادات أعلى من الميزانية دون تحقيق أي تقدم كبير في مجال الاستثمار.

ويؤدي تباطؤ النمو الاقتصادي، وهو عملية مستمرة التي بدأت هذا العام، تترك مجالاً ضريبياً منخفضاً بالنسبة للاستثمار. بل إن التوازن الضريبي سيكون أكثر تعقيداً لأن  زيادات الأجور المدفوعة يتوجب دفعها حتى بعد عدة سنوات عندما لم يعد لدى الاقتصاد ارتفاعاً في معدل النمو كالذي تحقق في العام الماضي. ومن ناحية أخرى، ومع هاجس الزيادات في الأجور والمعاشات التقاعدية، فإن رومانيا تخاطر بفقدان لحظة مناسبة لتحديث الاقتصاد.

(المصدر: راديو فرنسا الدولي بتاريخ 16/02/2018)