من الحد الأدنى للأجور إلى الدين العام

 

نشر المكتب الإحصائي للجماعة الأوروبية (يوروستات) في الآونة الأخيرة بيانات عن الحد الأدنى للأجور في أوروبا. بداية، يجب ملاحظة الفروقات الموجودة بين الدول. ففي الجزء العلوي جاءت لوكسمبورغ، حيث الحد الأدنى للأجور لا يصدق ويصل إلى 2000 يورو ، وفي الجزء الأخير جاءت بلغاريا، حيث الحد الأدنى للأجور  يصل إلى 261 يورو. وجاءت رومانيا بدءاً من الأول من كانون الثاني 2018، على المركز الثالث من الأسفل إلى الأعلى مع الحد الأدنى للأجور يصل إلى 408 يورو.

وبعيداً عن الأرقام القصوى، ففي أوروبا هناك ثلاث فئات من الدول، الفئة الأولى تتضمن 10 اقتصادات يصل فيها الحد الأدنى للأجور إلى 500 يورو، وهو الترتيب الذي يبدأ عند بولندا بحد أدنى يصل إلى 503 يورو. والفئة الثانية من خمس دول التي لديها مستوى الحد الأدنى للأجور ما بين 500 و 1000 يورو (الفئة التي تقودها أسبانيا براتب أدنى قدره 859 يورو)، وأخيراً الفئة الثالثة وتتضمن سبع دول حيث الحد الأدنى للأجور يزيد عن 1400 يورو. هذا التقسيم يبين لنا ما هي الدوائر الثلاثة، ذات المركز الواحد، والتي ينقسم فيها الاتحاد الأوروبي.

وتجدر الإشارة إلى أن رومانيا اتبعت في السنوات الأخيرة سياسة رفع الحد الأدنى للأجور، وهو ما يتضح أيضا في الإحصاءات.

وهكذا، بين عامي 2008 و كانون الثاني 2018، سجلت رومانيا أعلى زيادة في الحد الأدنى للأجور (باليورو) بنسبة 11.4 في المائة، تليها بلغاريا بنسبة 8.8 في المائة. ومن المثير للاهتمام أن اليونان، على الرغم من انخفاض الأجور بنسبة 14٪، لا تزال في المنطقة المتوسطة، مع حد أدنى للأجور قدره 684 يورو.

والمشكلة هي أن الحكومات الأخيرة في رومانيا دفعت بقوة على دواسة رفع الحد الأدنى للأجور. ولغاية نقطة معينة فإن هذه العملية تبدو مفهومة. إلا أن الحكومة الحالية تعتقد أن خروج الاقتصاد الروماني من “المنطقة المنخفضة التكلفة” لا يمكن أن يتم إلا من خلال رفع الحد الأدنى للأجور. وهذه فكرة زائفة. لأن الزيادة المالية للحد الأدنى للأجور محدودة. لأنها يمكن أن تنعكس سلباً ومن شأنها إبعاد المستثمرين والشركات الموجودة في الاقتصاد المحلي على وجه التحديد نتيجة للميزة النسبية لانخفاض الأجور مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى.

ولا يمكن إحداث تغيير في الهيكل الاقتصادي فقط من خلال رفع الحد الأدنى للأجور، بل من خلال جذب الشركات العاملة في القطاعات المتقدمة تكنولوجيا. وبذلك فإن السياسة العدائية المتلخصة برفع الحد الأدنى للأجور ستؤدي إلى فقدان المستثمرين الذين ما زالوا موجودين في الاقتصاد المحلي.

وبطبيعة الحال، من البساطة أن نفكر في تحسين أداء الاقتصاد من خلال مؤشر مثل الحد الأدنى للأجور. ولإجراء تحليل أكثر تعمقاً، يمكننا أيضاً أن نأخذ في الاعتبار على الأقل مؤشرا نوعيا مثل الفائض التجاري أو العجز التجاري. وهنا نجد أن بيانات يوروستات تبين لنا صورة مثيرة للاهتمام. فمن بين الدول التي  تتمركز في  الشريحة الممتازة للحد الأدنى للأجور تاتي ألمانيا  وإيرلندا، وأما من حيث الفوائض التجارية فتأتي هولندا وبلجيكا، وبطبيعة الحال فإن ألمانيا تأتي في القمة بزيادة مقدارها + 249 مليار يورو.

وأما من حيث مستوى العجز التجاري فتأتي كل من لوكسمبورغ وفرنسا والمملكة المتحدة، و يصل العجز في هذه الأخيرة لوحدها إلى 176 مليار يورو، منه نسبة 60٪ يأتي من التجارة مع دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يفسر لنا جزئياً تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد Brexit. وعموماً، سجل الاتحاد الأوروبي فائضاً تجارياً قدره 14 مليار يورو في عام 2017، بانخفاض طفيف عن العام السابق عندما سجل الفائض قيمة قدرها 20 مليار يورو.

وأخيراً، قدمت الإحصاءات الأوروبية أيضاً بيانات عن الدين العام مشيرة إلى أن ​​الدين انخفض بشكل طفيف في منطقة اليورو وكذلك في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، حيث يمثل 88٪ من الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو و 82٪ عبر الاتحاد. هناك دول لديها مستوى الديون عالي جداً، مثل اليونان التي لا تزال تظهر مدينة دائماً، حيث يشكل الدين العام نسبة 177٪ من الناتج المحلي الإجمالي، تليها إيطاليا 134٪ ، والبرتغال بمستوى الدين العام قدره 130٪ من الناتج المحلي الإجمالي . وتسجل استونيا أقل مستوى من الدين العام يصل إلى 8٪، ولكسمبورغ 23٪، وبلغاريا و 25٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

وبالتالي، فإن مؤشرات الاقتصاد الكلي في الاتحاد الأوروبي آخذة في التحسن، مثل النمو الاقتصادي الذي تسجله. إلا أنه في أوروبا لوحدها لا تزال أوجه التفاوت واضحة.

                           (المصدر: راديو فرنسا الدولي بتاريخ 27/02/2018)